رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي ولم يكن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم في أول الأمر أن هذه الأمة تفتن في قبورها ، ثم أوحى الله له بهذا العلم ، فقد حدث عروة بن الزبير عن خالته عائشة، قالت : دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعندي امرأة من اليهود ، وهي تقول : هل شعرت أنكم تفتنون في القبور ؟ قالت : فارتاع رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : إنما تفتن اليهود ، قالت عائشة : فلبثنا ليالي ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هل شعرت أنه أوحى الله إليّ أنكم تفتنون في القبور قالت عائشة : فسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد : يستعيذ من عذاب القبر | |
---|---|
رواه مسلم يقول بن القيم وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلا ، وسؤال الملكين ، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به ، ولا نتكلم في كيفيته ، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته لكونه لا عهد له به في هذه الدار | ويدخل في هذا القسم القرآن الكريم والسنة المتواترة |
لذلك، فإن إعادة الكتابة في هذه القضية في هيئة جديدة لها أكثر من مبرر، ولو لم يكن لها مقتضٍ سوى الحذر من اغترار من ليس لهم قدم راسخ في العلوم الشرعية بمقالة هؤلاء المنكرين لكان ذلك كافيا.
وقد أجيب عن هذا الاعتراض بأنه قد يكون مقبولا إن كان آتيا على لسان ملحد لا يؤمن بشيء من الغيبيات، وله حينئذ جواب مناسب له في محله | |
---|---|
وقال القرطبي: « قال بعض علمائنا: وليس هذا بأبعد من الذر الذي أخرجه الله تعالى من صلب آدم، وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا 48»49 | لكن، قبل الخوض في صلب الموضوع، تتعين الإشارة إلى أمر مهم للغاية، وهو أن الاعتقاد قد شاع عند الكثيرين —ومن بينهم بعض طلبة العلم— بأن الرافضين للقول بثبوت عذاب القبر هم من المعتزلة الأوائل وأتباعهم اللاحقين؛ والواقع أن هذه المعلومة تحتاج إلى تصحيح؛ فإن الذين تولوا كِبْرَ هذه المقالة بالأساس هم من الباطنية الملحدة، وهؤلاء لا يعدون من طوائف الإسلام فضلا عن أن يُعْتَدَّ بخلافهم؛ وأما السواد الأعظم من المعتزلة فلم يسعهم إلا الإقرار بحقية هذه القضية الغيبية نظرا لاستفاضة الأخبار الواردة بشأنها، وقلائل منهم من ذهب إلى إنكارها من أمثال ضرار بن عمرو وحفص الفرد وبشر المريسي؛ على أنه تجدر الإشارة إلى أن هؤلاء المذكورين غير معترف بانتمائهم إلى مذهب الاعتزال أصلا، وذلك في نظر المعتزلة أنفسهم |
ففي الصحيحين عن المغيرة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قام حتى تورمت قدماه فقيل له غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال أفلا أكون عبدا شكورا.
11أبو الحسين الخياط ت بعد 300هـ | |
---|---|
أما فتنة القبر، فهي سؤال الملكين له، ففي الصحيحين عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه وإنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل لمحمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة، فيراهما جميعا، وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين | ولا خلاف بين العلماء في أن الخبر المتواتر يفيد العلم في الأحكام والعقائد، لكن بشرط أن يكون قطعي الدلالة، أي خاليا من الاحتمال المعنوي |
ما بالُ المؤمنينَ يُفتَنونَ في قبورِهِم إلَّا الشَّهيدَ؟! ومتى قالوا: إن إحدى الإماتتين إنما هو خَلقُ الله تعالى الخَلْقَ من نطفة هي موات، قلنا: إن الإماتة الحقيقية إنما هو إبطال الحياة وإزالتها وتفريق البنية التي تحتاج هي في الوجود إليها، وذلك لا يُتصوَّر في النطفة التي لم تكن حية أصلا»50.
22